هكذا إذن كان الوضع مع ذئب السهوب ، ويمكننا أن نتصور كيف أن حياة هاري لم تكن بالضبط حياة هانئة وسعيدة جراء ذلك . بيد أن هذا لا يعني أنه لم يكن سعيدًا بشكل مطلق ( على الرغم من أن هذا مع ذلك ما قد يبدو له، بقدر ما يعتبر كل إنسان الآلام التي تحل به في الأفدح ) . وهذا الكلام لا يصح على أي إنسان . حتى ذلك الذي لا ينطوي في داخله على ذئب ، قد لا يكون أسعد حالاً . إذ حتى أتعس حياة تحتوي على لحظاتها الشرقة وأزهار سعادتها الصغيرة التي تنبت بين الرمال والحجارة . وكذا كان حال ذئب السهوب . ولا يكن أن ننكر أنه في العموم كان تعيسًا جدًا ، و كان في إمكانه أيضًا أن يسبب التعاسة للآخرين ، أي عندما يحبهم أو يبادلونه الحب . لأن كل من تورط في حبه لم يكن يرى دائمًا إلا جانبًا واحدًا منه . كثيرون أحبوه، بوصفه رجلاً مثيرًا للاهتمام ، حاذقًا وراقيًا ، وأصيبوا بالرعب وبخيبة الأمل عندما صادفوا جانب الذئب منه . و كان لا بد هذا أن يحدث لأن هاري كان يرغب ، مثل أي مخلوق واع ، في أن يُحب كله وبالتالي فإنه لم يستطع أن يخفي عن أولئك الذين كان يقدّر حبهم عاليًا الذئب ويناقضه . ولكن كان هناك أولئك الذين كانوا يحبون بالذات جانب الذىب منه، الحر ، الهمجي ، العصي على الترويض ، الخطر والقوي ، وكان هؤلاء يصابون بخيبة أمل كبيرة إلى درجة يرثى عندما يكتشفون فجأة الذئب الشرير والضاري هو أيضًا إنسان ، ويتوق توقًا شديدًا إلى الخير والدماثة ، ويرغب في سماع موسيقى موتسارت ، وفي أن يقرأ الشعر ويضمر مُثلاً عليا إنسانية . و كان هذا عادة أشد ما يسبب لهم الخيبة والغضب ، وهكذا حدث أن دخل ذئب السهوب ازدواجيته وطبيعته المنقسمة إلى أقدار الآخرين كلما تواصل معهم