وليس مرد ذلك إلى أنه جبان رعديد ، أو إلى أنه مروّع مذعور ، بالعكس ... ولكنه يعاني منذ بعض الوقت حالة من التوتر والعصبية توشك أن تكون مرض الكآبة . لقد بلغت حياته من الاعتزال ومن فرط الانطواء على النفس أنه يخشى لقاء أي إنسان ، لا لقاءَ صاحبة الشقة فحسب . كان يعيش في فقر مدقع ، وبؤس شديد ، ولكن العوز نفسه أصبح في هذه الآونة الأخيرة لا يثقل عليه . أصبح الشاب لا يهتم بشؤونه ولا يريد أن يهتم بها . والواقع أن صاحبة الشقة كانت لا تخيفه ، مهما تكن المكائد التي تدبرها له . ولكن الوقوف على فسحة السلم ، والإصغاء إلى ثرثرات سخيفة شتى عن ترهات لا تعنيه في قليل ولا كثير ، واحتمال التذكير الدائم المستمر ، الذي تصحبه تهديدات وشكاوى ، بضرورة مبادرته إلى دفع الأجرة ، واضطراره إلى اختلاق الحيل وانتحال الأعذار وتلفيق الأكاذيب ... ولكن ذلك كله أصبح من الأمور التي لا يمكن أن يطيقها ، فهو يؤثر على ذلك أن يتسلل على السلم تسلل هرة ، وأن يفرّ دون أن يراه أحد . على أن الخوف الذي شعر به هذه المرة من تصور أن دائنته قد تراه ، أدهشه هو نفسه منذ أصبح في الشارع .