Psst...

Do you want to get language learning tips and resources every week or two? Join our mailing list to receive new ways to improve your language learning in your inbox!

Join the list

Arabic Audio Request

mariu5
1081 Words / 1 Recordings / 0 Comments

في حين تكافح الديمقراطيات الصناعية على مستوى العالم للخروج من أزمتها، فهناك روايتان متنافستان عن مصدر الأزمة ــ والعلاجات المناسبة لها. فيزعم التشخيص الأول والأكثر شهرة أن انهيار الطلب يرجع إلى تراكم الديون الضخمة قبل الأزمة. فلم يعد بوسع الأسر (والدول) التي كانت أكثر ميلاً إلى الإنفاق أن تقترض. ولإحياء النمو، لابد من تشجيع آخرين على الإنفاق ــ فالحكومات التي لا يزال بوسعها أن تقترض لابد وأن تزيد من عجز موازناتها، ولابد وأن تعمل أسعار الفائدة التي هبطت إلى مستويات متدنية للغاية على منع الأسر المقتصدة من الادخار.

في ظل هذه الظروف، يتحول التهور في التعامل مع الميزانية إلى فضيلة، على الأقل في الأمد القريب. أما في الأمد المتوسط، وبمجرد تعافي النمو، يصبح من الممكن سداد الديون وكبح جماح القطاع المالي حتى لا يتسبب في أزمة أخرى تضرب العالم.

والواقع أن هذه الرواية ــ الخط الكينزي التقليدي معدلاً وفقاً لأزمة الديون ــ تلقى استحسان أغلب المسؤولين الحكوميين، ومحافظي البنوك المركزية، وخبراء الاقتصاد في وال ستريت، وهي تحتاج إلى بعض الشرح المسهب. وتتلخص ميزة هذه الرواية في أنها تمنح صناع القرار السياسي عملاً واضحاً يقومون به، حيث تتفق العائدات الموعودة مع الدورة السياسية. ولكن من المؤسف أن النمو، على الرغم من جولات التحفيز السابقة، لا يزال هزيلا، وبات من الصعب على نحو متزايد العثور على سبل جديدة للإنفاق القادر على تحقيق المراد في الأمد القريب.

ولهذا السبب، يتحول الاهتمام باتجاه الرواية الثانية، والتي تقترح أن القدرة الأساسية لدى الاقتصادات المتقدمة على تحقيق النمو من خلال إنتاج سلع مفيدة كانت في انحدار لعقود من الزمان، وهو الاتجاه الذي اتسم بالإنفاق بالاستدانة. والمزيد من مثل هذا الإنفاق لن يعيد هذه البلدان إلى مسار النمو المستدام. بل يتعين عليها بدلاً من ذلك أن تعمل على تحسين بيئة النمو.

تبدأ الرواية الثانية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وهي الحقبة التي شهدت نمواً سريعاً في الغرب واليابان. وهناك العديد من العوامل التي ساعدت في دعم الازدهار لفترة طويلة، بما في ذلك إعادة التعمير بعد الحرب، وعودة التجارة بعد هيمنة تدابير الحماية في الثلاثينيات، واستخدام التكنولوجيات الجديدة في مجالات الطاقة والنقل والاتصالات في مختلف البلدان، واتساع قاعدة التعليم. ولكن كما زعم تايلر كوان في كتابه "الركود العظيم"، فمنذ بداية السبعينيات فصاعدا أصبح من الصعب على نحو متزايد تحريك النمو، بمجرد اقتطاف هذه الثمار الدانية.

من ناحية أخرى، وكما كتب وولفجانج ستريك بكلمات مقنعة في مجلة اليسار الجديد، فإن الحكومات الديمقراطية، التي واجهت ما بدا في الستينيات وكأنه أشبه بأفق لا نهاية له من الإبداع والنمو، سارعت إلى توسيع نطاق دولة الرفاهة. ولكن بعد تعثر النمو كان هذا يعني توسع الإنفاق الحكومي حتى في ظل انكماش الموارد. ولبرهة من الزمن، كانت البنوك المركزية قادرة على استيعاب هذا الإنفاق. وكان التضخم المرتفع الناتج عن ذلك سبباً في إثارة قدر واسع النطاق من الاستياء، خاصة وأن النتيجة كانت النمو الهزيل. ثم تضاءلت الثقة في الحوافز الكينزية، ولو أن ارتفاع معدلات التضخم ساهم في خفض مستويات الدين العام.

ثم بدأت البنوك المركزية في التركيز على التضخم المنخفض والمستقر باعتباره هدفاً أساسياً لها، وأصبحت أكثر استقلالاً عن أسيادها السياسيين. ولكن الإنفاق بالاستدانة من قِبَل الحكومات استمر على نفس وتيرته، وسجل الدين العام كحصة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الصناعية ارتفاعاً مضطرداً بداية من أواخر السبعينيات، ولكن هذه المرة من دون التضخم اللازم لخفض قيمة الديون الحقيقية.

ومع إدراك الحاجة إلى إيجاد مصادر جديدة للنمو، قبيل نهاية رئاسة جيمي كارتر، ثم الرئيس رونالد ريجان من بعده، اتجهت الولايات المتحدة نحو إلغاء القيود المفروضة على الصناعة والقطاع المالي، كما فعلت مارجريت تاتشر في المملكة المتحدة. وبمرور الوقت تزايد نمو الإنتاجية إلى حد كبير في هذه البلدان، الأمر الذي أدى إلى إقناع أوروبا القارية بتبني الإصلاحات، التي كانت مدفوعة في كثير من الأحيان من قِبَل المفوضية الأوروبية.

ولكن حتى هذا النمو لم يكن كافيا، نظراً للوعود السخية التي بذلتها الحكومات السابقة في مجال الرعاية الصحية ومعاشات التقاعد ــ وهي الوعود التي أصبح تحقيقها أكثر صعوبة بسبب ارتفاع متوسط العمر المتوقع وانخفاض معدلات المواليد. واستمرت الديون العامة في النمو. ولم تستفد دخول أبناء الطبقة المتوسطة ممن تلقوا تعليماً متوسطاً من النمو القائم على إلغاء القيود التنظيمية (ولو أنه أسهم في تحسين مراكزهم كمستهلكين).

ثم اتخذت المرحلة الأخيرة من بحث الاقتصادات المتقدمة المحموم عن النمو أشكالاً مختلفة. وفي بعض البلدان، وأبرزها الولايات المتحدة، نجح ازدهار الائتمان في القطاع الخاص في خلق فرص العمل في الصناعات التي تتطلب مهارات متدنية مثل البناء، وعجلت بطفرة الاستهلاك مع اقتراض الناس في مقابل مساكنهم التي اتسمت بالمبالغة في تقدير قيمتها. وفي بلدان أخرى، مثل اليونان، وفي ظل إدارات إقليمية في إيطاليا وأسبانيا، كانت موجة من الإسراف الحكومي في التعيين سبباً في خلق وظائف آمنة لذوي التعليم المتوسط.

في هذه الرواية "الأساسية"، كان الناتج المحلي الإجمالي لدى الدول المتقدمة غير قابل للدوام، لأنه تعزز بفضل الاقتراض والوظائف غير الإنتاجية. فالمزيد من النمو القائم على الاقتراض ــ وفقاً للصيغة الكينزية ــ قد يساعد في خلق وهم الحالة السوية، وقد يكون مفيداً في أعقاب الأزمات العميقة لتهدئة الذعر، ولكنه ليس بالحل الملائم لمشاكل النمو الجوهرية.

إذا كان هذا التشخيص سليما، فإن الدول المتقدمة تحتاج إلى التركيز على إحياء الإبداع ونمو الإنتاجية في الأمد المتوسط، وعلى إعادة ترتيب وعود الرفاهة بحيث تتفق مع قدرة العائدات، والحرص في الوقت نفسه على تخفيف آلام المعوزين في الأمد القريب. على سبيل المثال، قد تتمثل إمكانات النمو في جنوب أوروبا في إلغاء الخدمات المفروضة على قطاعات الخدمات والحد من حماية الوظائف من أجل تحفيز خلق المزيد من الوظائف في القطاع الخاص لمصلحة العمال المسرحين من الوظائف الحكومية والشباب العاطلين عن العمل.

وفي الولايات المتحدة، تتلخص الضرورة الأساسية في تحسين المضاهاة بين الوظائف المحتملة ومهارات العمال. والواقع أن الناس يدركون أفضل من الحكومات ما يحتاجون إليه ويتصرفون وفقاً لذلك. فالعديد من النساء، على سبيل المثال، يتركن الوظائف المتدنية الأجر من أجل السعي إلى اكتساب مهارات من شأنها أن تفتح لهن أبواب وظائف أعلى أجورا. وكان قدر ضئيل للغاية من الاهتمام الحكومي موجها نحو مثل هذه القضايا، ويرجع هذا جزئياً إلى حقيقة مفادها أن التسويات تحدث فيما وراء الآفاق الانتخابية، وجزئياً لأن فعالية البرامج الحكومية كانت مختلطة. ولكن الإصلاح الضريبي كفيل بتوفير برامج إعادة التدريب المشجعة والحفاظ على حوافز العمل، مع إصلاح الثغرات المالية الهائلة في الوقت نفسه.

هناك ثلاث قوى عاتية قد تساعد في توفير المزيد من فرص العمل المنتجة في المستقبل: الاستخدام الأفضل للمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات (والسبل الجديدة لجعلها مثمرة)، والطاقة المنخفضة التكاليف مع تسخير المصادر البديلة، وارتفاع الطلب بشكل حاد في الأسواق الناشئة على السلع ذات القيمة المضافة الأعلى.

الواقع أن الدول المتقدمة لديها الفرصة للاختيار. فقد تتصرف وكأن كل شيء على ما يرام إلا أن المستهلكين استسلموا للذعر، وأن "الغرائز الحيوانية" لابد من إحيائها من خلال التحفيز. أو قد تتعامل مع الأزمة باعتبارها جرس إنذار من أجل إصلاح ما خربته الديون على مدى العقود الماضية. وسواء في السراء أو الضراء، فإن الرواية القادرة على إقناع حكومات هذه الدول وشعوبها هي التي ستحدد مستقبلها ــ ومستقبل الاقتصاد العالمي

Recordings

Comments